حسن الأسمر «الواد الجن» مايكل جاكسون العرب
بعد التاريخ الطويل الذي حققه عدوية في مجال الطرب
الشعبي، الذي تربع على عرشه لأكثر من عقدين متتاليين، ظن الكثيرون أن هذه المنطقة
باتت حكرا على عدوية وأن الزمان لن يجود بمثله مرة أخرى، وفي حين غفلة من الجميع في فترة تراجعت فيها قيم موسيقية محافظة
سادت في جمهورية وليدة لتحل محلها أنغام تشبه رحلات المصريين إلى الخليج، سطعت
نجوم تصاحب المسافر بصوتها وتعبر عن الكادحين بألحانها في الفرح والحزن، تأخذ من
العمال المغتربين كلماتهم لتعيدها إليهم رقصا وشجنا، بزغ نجم سرعان
ما لمع من أول ظهور، حيث احتل المطرب الأسمر ذو الشامة البعيد عن وسامة جيل كامل
سبقه الصف الأول، ليتربع بمباركة شعبية وإمكانيات فنية خاصة على عرش الطرب الشعبي
الأصيل، الذي لا تخطئه الأذن المصرية من أول «تلييلة»، ليخرج فن الموال معه من بحر
النغم المليء بالدر من أمثال عبد الإسكندراني وبحر أبو جريشة، ويتخطى به مقاعد
السميعة ويدخل معه إلى كل حارة وبيت في مصر حرفيا، سواء من خلال الأفراح أو
السينما أو الكاسيت، وأصبح أيضا «صوت المزاج» في سهرات أصحاب الكيف، بديلا عن
السيدة أم كلثوم.
ولد حسن الأسمر في
القاهرة ونشأ بين طبقة كادحة في حي العباسية الشعبي، تدربت أذناه منذ صغره على صخب
الشوارع، زحام القاهرة، ورش العمال، المقاهي والسائقين، الحركة التي دبت في القاهرة
السبعينية رسمت في أذن الشاب الصغير خطا شعبيا جديدا، فقدم لون «الحزن الراقص»، أو
ما نسميه «الفلامنكو المصري»، الذي يضاهي النوع الشعبي من الفلامنكو الإسباني،
فالأسمر يميل دائما إلى أن يبدأ بمقطع بطيء بأداء موالي مصري أصيل تليه موسيقى
راقصة صاخبة مع كلمات حزينة أودرامية أو مليئة بالعبر، وهذا الخط استمر الأسمر في
الحفاظ عليه مع جميع الملحنين الذين عمل معهم.
اتخدعنا
وسط جيل صاعد من أمثال
هشام عباس وإيهاب توفيق وجواهر وحكيم وعمرو دياب ولطيفة ومحمد فؤاد ومحمد منير....
وغيرهم الكثير، استطاع حسن دنيا «الملحن» فرض ألحانه بقوة، لكن محطة حسن الأسمر
كانت مختلفة، فصوت حسن بعيدا عن الموال يحب «مزيكا حركة الشارع»، لذا قدم له «دنيا»
لحنا سريعا راقصا على أغنية من أقوى أغنيات الحزن، وهو لحن «اتخدعنا» في ألبوم حمل
الاسم نفسه عام 1989.
يقول الملحن حسن دنيا: «كنت أغني في بدايتي، لذا كنت أعلم المناطق
الصوتية والمفردات التي يمكن أن تتم، وهو ما جعلني أعمل مع حسن الأسمر أغنية
اتخدعنا حين دخلت المجال الشعبي».
أنا أهو
في نفس الألبوم
«اتخدعنا» قدم أيضا الملحن «حسن إش إش» لحن العتاب الراقص لحسن الأسمر، في أغنية «أنا
هو» التي حفظها الكبير والصغير، فمن جهة يحمل مطلعها تركيبة مصرية خالصة لمن يتوعد
غيره «أنا أهو وإنت أهو»، ومن جهة أخرى كان اللحن حاضرا بقوة في المناسبات المصرية
لإيقاعه السريع، وفي حوار له مع مجلة صباح الخير يقول إش إش: «حسن الأسمر مدرسة
شعبية مستقلة ظهرت بعد مدرسة عدوية».
يا خوفي
تعد أغنية يا خوفي التي لحنها الراحل «حسن
أبو السعود» أسطورة من
أساطير الموسيقى المصرية، ألحانها رشيقة وخفيفة كشخصيته تماما، صاحب أشهر ألحان
عدوية «بنت السلطان»، يقرر أن يتعامل مع هذا النجم الأسمر الجديد، فيبدأ أبو
السعود أغنية «يا خوفي» حزينة مليئة بالآهات بدخلة هادئة جنائزية، وفي لحظة ينقلب
اللحن إلى إيقاعات راقصة دون أن يترك مساحة لتسرب حالة الشجن من خلال تنويعات
الكمان والأورج.
طعم الأيام
في هذه الأغنية يهدي
عصام كاريكا الملحن الذي تتميز ألحانه بالحيوية، عملاق الأغنية الشعبية لحنا يمكن
أن نسمية «دراميا»، به وقفات وتنويعات كأنه يحكي قصة «ليه.. أزرع شجر المحبة..
يطرح غدر وأسية»، وبلمسه من الموزع أشرف عبده يمنح الساكس شجنا مكملا لصوت حسن
الأسمر، ولم يهرب اللحن الراقص من كاريكا ويلغي شخصية الأغنية الأصلية.
سألوا العذاب
لن يمر حسن الأسمر من
شارع «الفن الشعبي» دون أن يشتري لحنا من معرض حمدي سكر العامر، الذي لحن لعمالقة
هذا الجيل بداية من محمد رشدي وعدوية ثم رمضان البرنس ومجدي طلعت وأحمد العيسوي
وطارق الشيخ وحكيم وعبد الباسط حمودة، لكن في «سألوا العذاب» عرف حمدي بخبرته
شريكه الجديد جيدا، فأخرج له عملا من أروع أعمال الفتى الأسمر «سألوا العذاب»،
كالعادة بداية موالية هادئة ثم إيقاع راقص.
الواد الجن
في لقاء جمع بين « علي
سعد » صاحب موسيقى «الحفار» و«أوراق مصرية» مع حسن الأسمر تخلى «سعد» تماما عن
جدية اللحن، كما تخلى الأسمر عن المدخل الخاص به في أغنياته، لينتجا معا لحنا
سريعا في إيقاعه سريعا في تعلق الناس به، حتى أن أغنية «الواد الجن» منحت اسمها
لقبا لحسن الأسمر سنوات طويلة، فبداية الأغنية تحمل صيحات غريبة كأنها من عالم
الجان فعلا، لكن الأورج جعل منه «جن شعبي».
سمارة
على الرغم من سقوط
فيلم حسن الأسمر الأول «أنغام الغريب» والذي كانت رغبته الأولى هي التمثيل إلا أن
الغناء في ذلك الفيلم نجح نجاحا ساحقا، وخاصة أغنية «سمارة» ومن قوة نجاحها سعت شركة
مصنعة للبان إلى استغلالها في الترويج للمنتج الذي يحمل الاسم نفسه «سمارة». برع
الملحن «أشرف عبده» من قبل كموزع في «طعم الأيام» الحزينة، لكنه أخرج هذه المرة
أغنية تنطق بالبهجة والفرح، ظهر هذا من الإيقاعات الصاخبة.
بحلم
هدوء اللحن وهدوء
الوتيرة والأداء الصوتي سمة غابت بعض الوقت عن حسن الأسمر حتى أعادها إليه الملحن
«وليد العقاد» في أغنية من علامات الشجن في الطرب المصري «بحلم وأنا صاحي»، والتي
أدت المفارقة في اسمها إلى انتشارها مع نقلة اللحن الهادئ، والناي الذي يشع شجنا
في فواصل الأغنية.
كتاب حياتي
كانت «البريمو» لدى
حسن الأسمر، أغنية «كتاب حياتي»، التي أبدع لحنها بنفسه تحت اسم مستعار هو «حسن
عبد العزيز»، فقد احترف الأسمر التلحين تحت هذا الاسم، من كان يتخيل أن أكثر أغنية
أبكت المصريين تخرج على هذا اللحن الراقص «الفرايحي» الذي لا يمنع راقصة من أداء
وصلة عليها في فرح بلدي، على عكس ما كان يعتاد عليه المصريون من أغنيات حزينة مثل «تخونوه»
لبليغ حمدي متعددة المقامات وحيدة الشجن، أو «عدت يا يوم مولدي» لفريد الأطرش
الجنائزية تماما، وهذا ما ميز الأسمر مطربا وملحنا طوال مسيرته.
أعملك إيه
أغنية اخرى لحنها
بنفسه، حيث أظهرت أغنية «أعملك إيه» تمكن حسن الأسمر من «الفلامنكو المصري» بشكل
أوضح وإصراره عليه، هي ليست أغنية حزينة بالطبع لكنها بدأت بداية بطيئة كالعادة ثم
انتقل بها عبد العزيز إلى الإيقاعات الراقصة.
على الرغم من ابتسامته
الشهيرة التي لم تفارق وجهه طوال مسيرته الغنائية، والتي برزت في كل صور ألبوماته
الغنائية، إلا أن ابتسامته تلك كانت بمثابة «فخ» لمحتوى أغانيه الحزينة، والتي
بالرغم من حزن كلماتها وألحانها، كانت تجعل من يسمعها يتمايل معها، خاصة لقربها من
أسلوب المواطن المصري البسيط الذي وجد فيها نفسه.
في أغسطس 2011 طوى «حسن
الأسمر» آخر صفحات كتاب حياته، حيث رحل عن عالمنا إثر أزمة قلبية مفاجئة، تاركًا
وراءه عددًا من الألبومات والمواويل والأعمال السينمائية التي لا ينساها الجمهور
المصري الذي وصفه بـ«فارس الأغنية الشعبية».


تعليقات
إرسال تعليق